الاثنين، 17 نوفمبر 2014

لماذا أكتب ؟! ... بقلم / عماد أبو صالح


 

 

أنظر للذين يتكلمون عن متعة الكتابة وأضحك. جارسيا ماركيز يقول: أكتب ليحبني أصدقائي أكثر". لورانس داريل يقول: "لكي أحقق ذاتي". آلان جوفروا يقول: "لندافع عن أنفسنا على هذه الأرض البيضاء". ويقول الحكيم الفرعوني: "ليبقى اسمك في فم الناس".

لا.
أنا ...لا أكتب لأشياء من هذه. الكتابة عندي الم. كأني أستفرغ أمعائي. نزيف متواصل. قلمي في الحبر، إصبعي في دمي. لم أختر الكتابة ابدًا برغبتي. شأن كل شيء في عمري. عمري الذي ضاع نصفه دون أن أختار أي شيء برغبة مني.
من الذي يمسك كرباجًا، كلما اقف، يلسعني به على ظهري؟ من الذي يدفعني، غصبًا عني، لأكتب؟
الله؟
الشيطان؟

ما أحببته، وأنا طفل، هو أن أكون نجارًا. كنت مبهورًا بالنجارين. برائحة الخشب. بالعاشق والمعشوق يحضنان بعضهما إلى الأبد. كنت أطاردهم من بيت إلى بيت، حتى يسمحوا لي أن أكشط سطح خشبة خشنة، وأترك ملمسها ناعمًا رائع البياض. كثيرة هي الايدي التي أعادتني بالصفعات، لأذاكر دروسي. إلى حفلات التعذيب بالقراءة و.. الكتابة. يد أبي. يد أمي. يد المدرس. يد النجار هو نفسه.

لا أعرف لماذا أخاف الكتابة؟ ألأنها تتغذى على أعز ما فيّ؟ ألأنها تمص عصيري؟
هل لارتباطها بالمدرسين غلاظ الأكباد، ولجان الامتحانات، والمراقبين بعيونهم البوليسية، ورعب السقوط آخر العام؟
هل لارتباطها بالأفندي؟ بسلطة قميصه وبنطلونه على أعمامي أصحاب الجلابيب؟
أي مسخرة في أن أكون كاتبًا، وأمي في البلد هناك، تخطئ كل مساء في عد إوزاتها، وأبي يضع للفاء نقطتين وللقاف نقطة واحدة؟

سأسكت. حين أكتب أفضح نفسي.
ما أجمل الصمت.
ما أجمل البياض، قبل أن يتوسخ بحبر الكتابة.

أنا أكره الكتابة.

 

* عماد أبو صالح

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق